تعديل

الاثنين، 8 يوليو 2013

حقائق من معركة الحفة بقلم العقيد مالك كردي

حقائق من معركة الحفة

                                               بقلم العقيد مالك كردي


                                                                                                     
آثرت الصمت طويلا عما تتداوله الألسنة العفنة فيما جرى حول معركة الحفة لأني وجدت الرد سيشكل مناخا خصبا لتبادل الاتهام الذي سيجني مزيدا من الانقسام وكشف مواطن الضعف التي لطالما أفلح فيها ثوار الفيس بوك ووجدوها المادة التي يغنون بها صفحاتهم فيخدمون النظام من حيث لا يدرون.
وإذا استمر مسلسل الاتهام والتخوين فلا بد وأنا مكره أن أتحدث في بعض مما جرى.
كنت أدرك تماما أن الوضع الديموغرافي للساحل السوري وفق دراسات سياسية وعسكرية وتاريخية أعدتها سابقا أشرت فيها إلى وضع الثورة السورية في الساحل وفق تجمعات ثوريه محاطة بأطواق مناصرة للنظام بعمق ٢٥  كم وبالتالي أي تصعيد للعمل المسلح في هذه المنطقة سيحول الثورة إلى صراع طائفي ويدفعها للانتحار وهي في المهد.
رجال عهدتهم وطنيين صادقين دفعتهم الحمية إلى الدعوة للعمل المسلح لمواجهة النظام في المدن الساحليّة الذي أسرف فيها القتل  وقد عارضتهم حينها لإدراكي المخاطر والخسارة الحتمية وكنت مشجعا لمتابعة التظاهر السلمي عبر ريف الحفة التي تعتبر رئة الساحل والنظام يتحاشى استفزازها لأسباب عدة وكنت حريصا على عدم حصول مجزرة إعطاء الذريعة لتهجير مدن الساحل وفتح باب إقامة الدولة الانفصالية فيها.
وجد الشباب المتحمس ضالتهم لدى بعض الضباط المنشقين الجدد والمنشقين القسريين غير المطلعين على واقع الثورة والواقع الاجتماعي للساحل ودفعوا للإنشاء المجلس العسكري في الساحل (منهم من قال نفتح دكان كما يفعل الآخرين )وكان ذلك رسالة بدء العمل المسلح المعلن في الساحل الذي استفز النظام وكثف من حملات الدهم والاعتقال.
وحسام قدور " أبو الفضل" بدأ بنقل الأسلحة إلى الحفة بشكل علني بعد أن أقنع أصحاب العمائم و إحدى الجهات بضرورة خوض المعركة دون رؤى سياسية وعسكرية وتخطى لقيادة المعركة وهو غير مؤهل لها وفق الاعتبارات مما زاد الأمر تأزما فوضعنا تحت الأمر الواقع لنرمم ما يمكن.
تحرك النظام بعملية استطلاعية لقريتي بابنا والجنكيل فأدركت أنه سيتبعها مباشرة عملية عسكرية وكادت خطتي أن تنجح كاملة عندما فوجئ النظام بعدم وجود أي مسلح لولا أنه في اللحظة الأخيرة أدرك بعض الذين تأخروا في تنفيذ الأمر باللجوء إلى الحراج المحيط فأوقع فيهم بعض الخسائر، أثنين من الشهداء وعدد أخر بجراح.
تتالت العروض الاستفزازية بالظهور المسلح العلني فدفع النظام لإقامة حواجز في المدينة التي واجهها متهور بإطلاق قذيفة ر ب ج فقمت باستنفار كل القوى الثورية للسيطرة على كافة المقار الأمنية والحزبية "((نتغذى به قبل أن يتعشى بنا)) وعند لحظات التنفيذ أخذ حسام قدور يطلب تأجيل العملية معللا بإيصال شحنة سلاح خلال هذه الليلة وعمل على إجهاضها مع سعيد طربوش وأعطيت الفرصة للنظام ليكمل استعداده.
بعد أيام و في ليلة اتخاذ النظام القرار للهجوم و عند وصول السيارة الأولى إلى مدخل الحفة أمطرت بنيران المقاتلين و تم إبلاغي على الفور بذلك فأعطيت الأوامر بأخذ الترتيب القتالي إلى النقاط الهامة ، فوجهت مجموعات إلى القوس و أخرى إلى المشفى و آخرين كل منهم إلى النقطة المناسبة و قد نجحوا في الدفاع عن منطقة القوس و المداخل الأخرى في حين كان الفشل الذريع للسيطرة على المشفى و هو الهدف الاستراتيجي الأهم و مدخل الانتصار في المعركة الدفاعية بسبب موقعه و أهميته مقترنآ بالفرن الآلي و خط إمداد المياه وذلك لتقاعس مجموعات محددة بالدفاع عن هذا الهدف.
في رحلة العودة للمجموعة التي نقلت الجرحى إلى تركيا تعرضت إلى كمين أدى إلى قطع طريق الإمداد والإخلاء الوحيد.
كنت مصرا على فتح هذا الطريق لتأمين الإمداد ونقل الجرحى والعائلات المحاصرة وفي اليوم الرابع للمعركة توجهت برتل من الامدادات منها أسلحة سلمت إلى حسام قدور من الغرفة في تركيا،وذلك عند الساعة الرابعة عصرآ لكن عيون النظام واجهتنا بمروحياته التي استمرت حتى الثامنة مساء وقد كان إصراري أقوى فتحركت بالرتل الساعة العاشرة ليلآ وكنت في السيارة مع المقدم محمد حمادو (أبو الهول)ويقودها حسام أندرون وقد تقدمت أمامنا سيارة استطلاعية تحمل بعضا من الذخائر فيها حسام قدور مع بعض العناصر تتبعني سيارتان مجهزتان بالرشاشات ثم لحق بنا الآخرون.
عند مفرق بيت الشكوحي للحظات شاهدت سيارة أبو الفضل و قد ترجل منها و هو يعانق سعيد طربوش الذي كان ينتظرنا على ما يبدو أعقبها رشقآ ناريآ باتجاهنا لمدة عشر دقائق و ترجل الجميع و أخذت أحاول تحديد مصدر النيران بدقة و أستطلع الموقف ، و أنين الجرحى يشاغلني وجمعت من حولي في نسق قتالي و ساد صمت رهيب في ليل دامس بعد أن رد على النار برشاش١٢.٥ 
.
وبعد ثبات و مراقبة تقدمت شخصيا مستطلعا  فتفاجأت أن سيارتي أبو الفضل و سعيد طربوش غير موجودتين أي أنهما غادرا أثناء الإطلاق و باتجاه مصدر النيران فكان أمرا مستغربآ و مثيرآ للتساؤل .استجمعت الرتل و أرسلنا الجرحى إلى تركيا  ثم تابعت السير و تحركت في المقدمة و لدى وصولي إلى أول منزل في الجنكيل جاءني من يهمس في أذني (أنت الهدف و النيران صديقة) ثم همس آخرون بذلك فلم أشأ أن أصدق ذلك أو أن أسمح لأحد بالتحدث فيما جرى لأن من شأن إثارتها إضعاف للهمم وإثارة للفتن.
تجولت في الحفة و قراها و استطلعت الوضع عن كثب فوجدت أن النظام قد سيطر على المنطقة الممتدة من المشفى و حتى بعد ٥٠٠ 
  متر جنوب مفرزة الأمن العسكري(بيت إسحاق قدسية) و قد بدأ يتقدم و يتغلغل باتجاه اشتبغو إسلام و اشتبغو مسيحية أي أنه سيطر على المنطقة الاستراتيجية كاملة و الوضع قد أصبح حرجآ للغاية و النظام يخوض معركة فصل لبلدة الحفة و القرى الجنوبية تؤدي بها إلى العزل التام ومن ثم يلتف إلى المنطقة الشمالية .
بقائي في الحفة مع عناصر جبل الأكراد يعني تطويقنا جميعا لأن جبل الأكراد حينها أصبح فارغا بدون مقاتلين مع الإشارة أن في الحفة ٢٠٠٠ 
 
 مسلح من سكان الحفه واللاذقية والعسكريين المنشقين لم يشترك في القتال الفعلي منهم سوى٢٠٠ .
عدت إلى جبل الأكراد استعدادا لخوض معركة فك التطويق بعد أن تركت نحو
١٠٠ 
  من العناصر التي كانت ترافقني بأسلحتهم  مع رشاش ١٢.٥  إضافة للأسلحة و الذخائر التي قمنا بتأمينها إمدادا للعناصر الموجودة في الحفة و هي ٤٠٠  بندقية ناتو مع ١٠٠٠٠٠   طلقة إضافة إلى ٣٧٠٠٠  طلقة روسية و قذائف ال ر ب ج .إضافة للخبز والمواد الغذائية .
وفي صباح اليوم التالي (اليوم الخامس للمعركة)على الفور أرسلت راغب حاج أحمد إلى جبل الزاوية لتأمين وصول قوات إسناد تابعة لجمال معروف و أخرى لأحرار الشام و أخرى لألوية في شمال ادلب لأن العناصر المسلحة في جبل الأكراد كانت محدودة لا يمكن أن تغطي الجبل وقوات النظام ما زالت في سلمى وكنسبا وبداما و.......
و قمنا على الفور بحسم المعركة و تحرير المفارز الأمنية في سلمى لأنها تشكل خطرا من الخلف لأي تحرك لفك التطويق .
و في مرحلة الانتظار لوصول التعزيزات قررت سحب العائلات المحاصرة في بابنا و الجنكيل خشية من أي  عملية انتقامية للنظام ، و تحرك الرتل عند المساء من دورين لتأمين سحبها بإشرافي الكامل و بقيت في الساحة و برفقتي المقدم محمد حمادو و قتيبة صبحي و آخرين لم أجري خلالها أي أتصال مع أي وسيلة إعلامية ليس فحسب بل على كامل أيام معركة الحفة حيث و كنت خلالها مع اتصال مع بعثة المراقبين الدوليين و بحث السبل لوصولها إلى الحفة لكنهم فشلو في ذلك بسبب تصدي شبيحة النظام لهم ، وكذلك الاتصالات الأخرى مع القادة الميدانيين في الحفة.
ولدى عودة الرتل الذي قام بسحب العائلات فوجئت أن السيارات التي تقل مسلحين تزيد أعدادهم عن المدنيين فعلمت انسحابهم فثرت عليهم و أخذ البعض يطلب أن يعود لكنني رفضت ذلك لأن مثل هذا القرار يحتاج إلى إعادة التنظيم و التسليح حيث أن الكثير قد رمى سلاحه و ذخائره فأمرت المدنيين بالتوجه إلى تركيا لكن اتصال وردني أن بعضا من العناصر المسلحة قد وصلت إلى الشريط الحدودي و هي تلقي بسلاحها للجندرما التركية أو تبيعه بأثمان بخسة عندها أمرت بإنشاء حاجز على كهف العدرا يضع الخيار إما التوجه إلى كفر عجوز بالسلاح و المبيت أو تجاوز الحاجز بعد ترك السلاح عهدة أمانة إذا رغب بمتابعة القتال و قد بلغ عدد البنادق ٢٥ 
  بندقية لكن أحدا من أصحابها لم يعد إلا بعد مرور شهرين حيث كان قد تم توزيع هذه البنادق على بعض العناصر التي تريد القتال .
وصل راغب حاج أحمد مع طلائع التعزيز بعد ساعات من انسحاب العناصر من الحفة لان الأمر كان يحتاج لبعض الوقت
و أعود بكم إلى أنه في ليلة الانسحاب حصل اختراق لجبهة المشارفة نتيجة لانسحاب مجموعة آل كنعان في الليلة السابقة و كانت متمركزة مقابل البرج مما جعل مجالا واسعا لتحرك النظام و التسلل للوصول الى القرية و ثلة من الأبطال صدوا الهجوم لكن تبعه هجوم كبير تجاوز عددهم مائتي عنصر تمكنوا من الدخول إلى القرية تحت غطاء ناري بالحوامات والمدفعية و بعد محاولات عدة للاتصال بالمجموعة تمكنت من الاتصال بصهيب كلية الذي كان خارجا و قد أفادني بأنه نتيجة للهجوم فقد تم القضاء على المجموعة المدافعة و لم يبقى سوى خمسة أشخاص عند ذلك قلت أن عليهم الانسحاب إلى قرية شير القاق و في الليل يعاودون إلى المشيرفة حيث من الصعب على الجيش و الشبيحة المبيت فيها .
في اليوم التالي للانسحاب و بعد اجتماعات عدة و التباحث أمرت مجموعات الحفة لاحتلال مرصد انباتة و قمة النبي يونس لكنها عللت و تململت و تكاسلت حتى تمكن النظام من احتلالها و بات نيران مدافعها و وراجمات صواريخها الخطر الأكبر على منطقة جبل الأكراد .
أما وقد تهجرت الحفة وقراها وباتت بيوتها خرابا ودمارا وأوكارا للجرذان والشبيحة فمن أوقد نارها يعدها انتصارا وسؤالنا هل أنتصر حافظ في الجولان بعد أن خسر عددا من قراها في حرب تشرين؟؟؟ منهم من حمل السلاح ولم يقاتل ولن يقاتل بل أصبح تاجراً مناضل يخطف ويبادل وكأن التاريخ حاضرا في قرونه والإنسان في سوق النخاسين يباع ويشترى ثم يردف متحدثا عن بطولات وأمجاد.                                            
و بعد أن عدت إلى تركيا لأمر اضطرني فعلمت أن العقيد عبد العزيز كنعان قد وزع بيانا و صرح لوكالة رويترز بانسحاب الجيش الحر من الحفة قبل الانسحاب بساعات عدة وتم ذلك بعد مناقشة ذلك البيان مع ضباط آخرين منهم العميد حسين كلية والنقيب رياض أحمد.وهذا البيان منشور على الفيسبوك ويمكن مراجعه رويترز للتحقق .
و في العودة للحديث عن حادثة إطلاق النار في بيت الشكوحي تبين أن الملازم محمد أسعد  هو من قاد عملية إطلاق النار علينا و علل ذلك بأنه خطأ و يبقى السؤال كيف حصل ذلك و هو يقود مجموعة تأمين الطريق و يتحرك سعيد طربوش  من أمامه قادما من الجنكيل و يتوقف أمام ناظره في بيت الشكوحي و في لحظات إطلاق النار يتحرك سعيد و أبو الفضل باتجاه مصدر النار ثم يأخذون معهم  الملازم 1 محمد أسعد و مجموعته إلى الجنكيل في الوقت الذي كنا ننتظر انقشاع الموقف و ما الذي حصل ؟؟؟؟؟؟
آثرت الصمت طويلا حرصا على وحدة السلاح و ما زالت علي السهام تنهال إلا أن عبارات التخوين المدفوعة بالحقد و الحسد كانت أقسى من رصاص النظام فقد آلمتني و تعمق الألم مع التكرار فتحدثت قليلا ويأتي اليوم الذي نتحدث تفصيلا.

الخلاصة:
1-المعركة فرضت من قبل أشخاص لا يفهمون الأبجديات العسكرية والإستراتيجية فكانت نتيجتها الحتمية التهجير والتشريد والقتل والاعتقال.
2-إصرار الجهات الداعمة على تسليم السلاح إلى أبو الفضل كان السبب الرئيسي فيما جرى لأنه ليس صاحب اختصاص أو خبرة أو معرفة سياسية أو عسكرية بل ولا اجتماعية لأنه غير مقيم في المنطقة ولا يعرف شيئا عن تاريخها وديموغرافيتها ناهيك عن العسكرة . وقد أصبح السيد المطاع لأنه صاحب القرار في توزيع السلاح وهذا أضعف العسكر كثيرا في قدرتهم على القيادة واتخاذ القرارات المناسبة .
3-إن سعيد طربوش القريب والمرتبط بأبو الفضل كان لتصرفاته الغير منضبطة منعكسات خطيرة على مسار الثورة في الحفة وما تبعها في المراحل اللاحقة.
4-إن عدم قدرة بعض المجموعات بالسيطرة على المشفى كان سببا رئيسيا في عدم إطالة أمد الصمود وكذلك تخلف غالبية العناصر المسلحة عن المناصرة.
5-محاولة اغتيالي شخصيا لم تكن عرضيه أو فرديه بل كانت بدافع الحسد والحقد ومن مازال دم النظام يتدفق في عروق مخططيها ومنفذيها والتاريخ يحكم بيننا .
6-ان المتطفلين والمتدخلين المتنافسين في إصدار البيانات كان لهم اثر سلبي فيما جرى حيث تعمد ذلك لإجهاض قراراتي بتآمر واضح جلي .
7- تقاعس المجموعات المنسحبة من الحفة عن احتلال المواقع الهامة في انباته والنبي يونس أدى إلى خسائر مستمرة .                         
 8-  اتهامات تطالني شخصيا من قبل العناصر التي اختبأت في الأوكار ثم رمت أو باعت السلاح و منها من كان يطبل ويزمر للنظام حتى أيام قريبة والآن يختبئ  وراء خيبته وفشله ويتسلق حبل الثورة وليس من همهم إلا الحصول على المال وبأي وسيلة كانت .                                                                                                      
خياركم قبل الثورة خياركم بعد الثورة وأشراركم هي كذلك.  فكما عهدتموني أكون.